18 08 2013
من الضروري بناء حركة عمالية مستقلة لمواجهة الارهاب والطائفية والعنصرية
تامر مهدي
الثلاثاء 15 آب/اغسطس جرى ما كان الجميع يتوقعه ويهابه، تفجير آخر لسيارة معبئة
بحوالي الـ400 كلغ من المتفجرات في الضاحية الجنوبية لبيروت وأكثر الاحياء
اقتظاظاً بالسكان وفي وقت الزروة، أدى الى سقوط حوالي الـ25 قتيلاً وأكثر من 300
جريح. وسارع العديد من الاحزاب والسياسيين بإتهام إسرائيل بمحاولة للقول بأن
العملية ليست عملية من طرف سني ضد الشيعة، بإعتقادهم ان هذا يسحب فتيل الاحتقان
المذهبي الذي يكبر يوماً بعد يوم.
وأتى هذا التفجير المريع والارهابي باستهدافه المدنيين في سوق شعبي ضمن
سلسلة من هجومات على الضاحية الجنوبية التي تعتبر منطقة تابعة لنفوذ حزب الله. فمنذ
حوالي الثلاثة أشهر ثلاث صواريخ مجهولة المصدر سقطت على الضاحية ذات الاغلبية
الشيعية والتي تحتوي على ابرز المراكز والمؤسسات التابعة لحزب الله. وكانت هذه
الصواريخ رسالة واضحة للحزب أي أنها أتت بعد إعلانه رسمياً بلسان امينه العام
نصرالله انه يقاتل الى جانب النظام في سوريا. وفي 9 تموز/يوليو جرى تفجير سيارة
مفخخة في الضاحية سقط فيه 50 جريحا. ويخيم اليوم القلق على سكان الضاحية وهناك
احساس كبير بأن المزيد من العمليات الإرهابية آتية لا محالة.
وفي 16 آب/اغسطس، خلال خطاب في الذكرى السابعة لانتهاء الحرب الاخيرة مع
إسرائيل، اعلن نصرالله ان منفذ هذه التفجيرات الارهابية هي المجموعات التكفيرية
التي تستعمل نفس الاسلوب في العراق وسوريا وافغانستان، وإن هذه العمليات "ستدفعنا
على الاصرار أكثر للقتال في سوريا". وأعلن الحرب على المجموعات التكفيرية قائلاً:
"اننا كما انتصرنا على اسرائيل سننتصر على التكفيريين".
تأتي هذه العملية الارهابية في واحدة من أعقد الظروف التي يعيشها المجتمع
في لبنان ومجتمعات المنطقة، سياسياُ وإقتصادياً، فبات تأثير حمام الدم السوري كبيراً
جداً وهناك إنقسامات بين الطبقات الحاكمة التي تستخدم الطائفية للحفاظ على نفوذها ما
يزيد من الانقسامات العامودية في المجتمع. وكلا طرفي الصراع متورط في الحرب في سورية
نظراً لارتباطهم بالقوى الاقليمية والدولية. وفي ظل إنشغال القوى في المنطقة بمشاكلها
الداخلية وبالحرب في سوريا وبالتطورات المتسارعة في مصر، من المستبعد بلورة تسوية من
قبل الطبقة الحاكمة في المستقبل القريب. وتدل كل المؤشرات على ان الايام والاسابيع
القادمة ستكون حامية ومكلفة جدا بالنسبة للطبقة العاملة والجماهير الفقيرة.
منذ حوالي الستة اشهر ولبنان بلا حكومة. وتتحجج الطبقة الحاكمة بتدهور
الوضع الامني كي تبرر تمديدها لمجلس النواب لمدة سنتين، وكأنها ليس لها علاقة
وليست مسؤولة عن الوضع الامني كطبقة حاكمة، وهي نفسها تحكم منذ عشرات السنين. ويأتي
هذا في ظل ارتفاع مخيف في نسب البطالة وخاصة بين الشباب المعطلين عن العمل بنسبة
تزيد عن الـ40%، وفي ظل ازدياد اعداد اللاجئين السوريين بحيث زكرت بعض التقارير
بأنها تجاوزت المليون ما يعني أنها تشكل اليوم ربع سكان لبنان. وهناك غياب كامل لخطط
استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئن السوريين، كما كان وما زال الحال بالنسبة
لمليون ونصف فلسطيني. وتستخدم الأحزاب أسلوب التخويف من هذا العدد لتغطية فشلها في
تأمين الوظائف والكهرباء ةالماء والخدمات الاجتماعية ما يغذي العنصرية ضد اللاجئين
والطائفية ما بين الجميع.
وفي بعض القرى والمدن الصغيرة اصبح عدد اللاجئن اكثر من سكان البلدة وعمدت
بعض البلديات لأساليب عنصرية بحجة "ضبط الامن" مستندة على تقارير تشير
الى أن نسبة الجريمة اليومية ارتفعت بشكل كبير من سرقة وسطو وقتل وتحرش جنسي
وغيرها من الجرائم. ولكن ارتفاع الجرائم له جذور اقتصادية واجتماعية والكثير من هذه
الجرائم يقوم بها لبنانيون نتيجة البطالة والفقر والفساد والفوضة واضطهاد واستغلال
المرأة، والمسؤول عن هذه الظروف المتخلفة هم الطبقة الرأسمالية الحاكمة في حين أن
من يدفع الثمن الأعلى هم العمال والفقراء واللاجئين.
وهناك ركود اقتصادي على كافة الصعد.
قطاع السياحة يواجه الخسارات جراء عدم الاستقرار
الامني والسياسي ما أدى بالفعل الى طرد العديد من العمال من قبل أصحاب بعض
المؤسسات السياحية كالفنادق والمطاعم. القطاعات الصناعية والزراعية تشهد هبوطاً وهي
بالاصل ضعيفة نتيجة السياسات النيو-ليبرالية لدى رفيق الحريري الذي اغتيل (ورئيس
الوزراء من العام 1992 – 2004) والذي حول اقتصاد لبنان الى هيمنة شركات العقارات الخاصة
به، ناهيك عن الخصخصة، ما زاد نسبة الفقر والبطالة في الارياف والمدن خارج
العاصمة. والشركات الاعلامية الممولة من قبل دول مختلفة تمر في
أزمة في وقت أن الدول هذه لا تجد لبنان بذات الاهمية اليوم وبدأت تخفض دعمها
المادي ما أدى الى عمليات طرد جماعية.
وما تزال الحكومة المكلفة بتصريف الاعمال لحين تشكيل حكومة جديدة ترفض
ارسال سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام الى مجلس النواب. وما تزال تتحجج بالحجج
ذاتها كعدم وجود مصادر للتمويل، علماً ان هيئة التنسيق النقابية قدمت خطة كاملة عن
كيفية التمويل وتكلفة زيادات الرواتب عبر الضرائب التصاعدية على شركات العقارات
والبنوك والمرافئ. ولكن الحكومة رضخت لما يسمى بـ"الهيئات الاقتصادية "،
اي تجمع اصحاب رأس المال، التي تعتبر أحد اكبر الحاكمين في البلد والتي لها تأثير
كبير على السلطة.
وكان هناك شريحة كبيرة من الطبقة العاملة والشباب والفقراء ينظرون بأمل الى
اضراب القطاع العام المفتوح في الربيع الماضي، والى التصعيد النقابي غير المسبوق
منذ انتهاء الحرب الاهلية في العام 1990، على أنه من الممكن أن يحصل على مكاسب
ويجبر الحكومة الفاشلة على التراجع. وكان من المككن ان تلعب هيئة التنسيق النقابية
(النقابات المستقلة) دوراُ كبيراُ في قيادة الطبقة العاملة عبر تحرك سياسي يوحدها
ضد الفساد والطائفية، الا أنها حصرت مطالبها بزيادت اجور عمال القطاع العام
والمعلمين وبعدم مناداتها جميع العمال والشباب، وخاصة المعطلين عن العمل.
كانت فرصة لاستقطاب الشباب من ايدي الاحزاب الطائفية ولبناء حركة طبقية ضد استغلالهم
كوقود لحرب أهلية اخرى ولكنها ضاعت ما أدى الى برودة الحركة شيئاً فشيء وتباعد عدد
كبير من الشباب والعمال عن هيئة التنسيق. اليوم هيئة التنسق تقوم بحملة لجمع مليون
توقيع فيها مطالب متعددة، وتهدد بأن المليون توقيع سيتحولون لمليون متظاهر. ولكن هذه
الحملة لا تترافق مع حملات في الشارع للتحضير لهكذا تحرك وهناك تشاؤم حول قدرتها
على قيادة النضال بعد أن هزم الاضراب المفتوح. ولكن ما زالت النقابات المستقلة
قادرة على لعب دور كبير اذا ما وسعت مطالبها وبدأت ببناء بديل سياسي مستقل للطبقة
العاملة يقف في وجه الطائفية ويقطع مع الرأسمالية الفاسدة.
لا بديل عن بناء حركة عمالية موحدة بوجه الطبقة الحاكمة. هناك ضرورة لبناء حركة
في قيادتها النقابات المستقلة والشباب، لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، تحت برنامج
اشتراكي ديمقراطي كالخيار الوحيد أمام الطبقة العاملة في لبنان والمنطقة لقطع
الطريق أمام الانقسامات الطائفية والعرقية. هكذا حركة، اذا شكلت، ستكون البديل
الوحيد بوجه الراسمالية الفاشلة والعفنة والهمجية، وقد تنادي جميع العمال في
المنطقة للتوحد بوجه والقضاء على الفقر والاحتلال والحروب.