Monday, March 4, 2013

اضراب مفتوح يظهر وحدة العمال ضد الطائفية ورأس المال




الحاجة الان ملحة لبناء حزب عمالي جماهيري
تامر مهدي

منذ 19 شباط القطاع العام والمدارس في اضراب مفتوح والنقابات المستقلة تقود مظاهرات يومية بتضامن عمالي غير مسبوق في لبنان. في ظل الانقسامات المذهبية الحادة والانعكاسات الأمنية والخطيرة للحرب في سوريا، دعت النقابات المستقلة )هيئة التنسيق النقابية( للتحرك ونظمت اضراب مفتوح مع رابطة موظفي القطاع العام ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة.

ويشل الاضراب كافة الدوائر الحكومية من وزارات ومؤسسات ومدارس رسمية وخاصة ومهنيات، وانضم إليها والمتقاعدون الاساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية، للمطالبة بتصحيح الاجور الذي وعدت به الحكومة في أيلول الماضي. ولكن ضغط الهيئات الاقتصادية، اي اصحاب البنوك ورأس المال والحاكمين الفعليين، منع الحكومة من ارسال القانون الى مجلس النواب ما أجبر التحرك على التصعيد.
وتتشكل اليوم لجان اضراب عبر اجتماعات وجمعيات عمومية في المحافظات والمناطق وأماكن العمل لتحديد الخطوات التالية بإتجاه الاضراب الشامل. وبحسب تصريحات نقابات ومجموعات عمالية يزداد التضامن مع الاضراب من قبل قطاعات آخرى، بعضها منظم مثل نقابات الطباعة والاعلام وإتحاد موظفي المصارف، وغيرها عمال أفراد ونقابيين مثل عمال شركة كهرباء لبنان وسوبرماركت "سبينيس".

هذا تطور مهم في الحركة العمالية أي انه يبني على تحركات ونضالات عمالية كانت معزولة سابقاُ ومن الممكن ان تنضم الان الى الاضراب الشامل من اجل تحسين الرواتب وظروف العمل. ومن أهم القطاعات العمالية هو قطاع موظفي المصارف لان دوره جوهري بسبب علاقته بعملية إنتاج الثروة والارباح في القطاع الخاص. هذه الخطوات اساسية في بناء ونجاح الحركة العمالية اليوم ولهزيمة سياسة الحكومات المتتالية التي تدافع عن ربح القطاع الخاص على حساب القطاع العام والطبقة العاملة عامةً.

ويشارك أيضا في المظاهرات عمال وشباب من خارج النقابات الاساسية التي تدعو للتحرك، فباتت هيئة التنسيق النقابية ونقابة المعلمين ورابطة عمال القطاع العام مدركةً أيضاً أن ما يقومون به بات يرتّب عليهم مسؤوليات كثيرة تتجاوز حدود نقاباتهم لتشمل قاعدة عريضة من العمال والشباب. فما حدث في تظاهرة الثلاثاء 26 شباط 2013، وما يجري التحضير له في تظاهرات الأسبوع المقبل، لم يعد يمت بصلة الى مطلب إحالة سلسلة الرواتب الى مجلس النواب إلا بوصفه بداية. وترى فئة من العمال داخل هذا الحراك مساحة جدّية وموثوقة لخوض مواجهة مختلفة عمّا اعتادوه ويشعرون بأن هناك أملاً لا يزال يلوح في الأفق.

ولكن الطبقة الحاكمة، ومن خلفها أصحاب رأس المال الحاكمين الاصليين، يحاولون تخويف العمال من اقرار تصحيح الاجور على أنه سيؤدي الى انهيار الاقتصاد. ويعترضون على أي تصحيح من أي نوع مهما كان بسيطاً، وهم بالتالي يحمون مصالح خاصة راسخة ومنافع ضخمة تراكمت وتشابكت على مرّ السنوات. إن تهويلهم بالخراب إذا مُسّت مصالحهم ومنافعهم أمر متوقّع، وهم أصلاً يلعبون دور الـ"لوبي" كطبقة تمتلك نفوذاً طاغية على السلطات عامّة. ودليلهم على هذا كان تصريح رئيس لجنة تجار بيروت للاعلام الذي قال فيه: "نحن نطاع ولا نطيع". ومن الواضح أن أحد أهداف السلطة والطبقة الحاكمة هو كسر عظم النقابات المستقلة التي ألهمت العمال والفقراء والقادرة على قيادة حركة عمالية تتحدى نظامهم الرأسمالي الفاسد والطائفي العفن.

وفي الوقت نفسه وجدوا أنفسهم في مواجهة حركة طبقية بامتياز نتيجة سياساتهم التفقيرية والتهجمية على الحقوق العمالية والنقابية ومفعولها العكسي على الأرض، فقد يحاولون الآن أن يقسموا القيادة وأن يلجؤوا إلى سياسات "فرق تسد". رئيس تجمع رجال الاعمال صرح بعد انهاء اسبوع كامل من الاضراب، وبعد انتهاء المظاهرة الضخمة، بأن علينا ان نجلس على طاولة حوار للخروج بحلول ترضي الجميع. ولكن مهما كانت التفسيرات أو الأهداف، يشير هذا الموقف الى تعديل، ولو شكلياً، للموقف المتعنّت الذي أبلغته الهيئات قبل يوم من التظاهرة الى الحكومة والذي رفض مشروع السلسلة. مجلس الوزراء لم يكن أقل قلقاً من اتساع حجم المشاركة في التظاهرة، لكنه كالعادة لم يفعل شيئاً سوى الإقرار بأن الوقت قد حان لفعل شيء ما.

ولكن معنويات قيادة هيئة التنسيق النقابية مرتفعة نتيجة المزاج الصارم لدى عمال القطاع العام من جهة والتضامن العمالي والعام من جهة أخرى ما رفع سقف الحراك وأدى لتحدي الحكومة وكافة الاحزاب داخل وخارج الحكومة. وتوجه الحركة العمالية الاتهام للنخبة السياسية على أنها منحازة لاصحاب رأس المال الذين تدفع لهم فوائد سنوية على الدين العام، تسددها خزينة الدولة مباشرة. هم من يقفون في وجه العمال وهم أصحاب المصارف واثرياء لبنانيون وخليجيون يتعطشون على كل ما يسدده المقيمون في لبنان من ضرائب ورسوم مرهقة على القيمة المضافة والاتصلات والمحروقات.

لقد انكشفت الحكومة أمام الحركة العمالية عند اعلانها أنها لن تقدم على أي خطوة لا توافق عليها "الهيئات الاقتصادية" التي أعطت لنفسها موقع "الضامنة للأمن الاقتصادي والسلم الاجتماعي" والتي أعلنت من هذا الموقع تحديداً ما يشبه حالة "الحرب" على النقابات المناضلة. وتحاول الحكومة تخويف العمال من الازمة وتكاليفها وتقوم بمحاولات فاشلة لكسر معنويات العمال، آخرها ما قاله رئيس مجلس الوزراء لقيادة هيئة التنسيق النقابية: "بين أن ينهار اقتصاد لبنان ليصبح مثل اليونان إذا ما أقرت سلسلة الرتب والرواتب، وبين أن تضرب هيئة التنسيق النقابية لشهرين أو ثلاثة، أختارُ الإضراب". وكان قد أعلن في بيان تجمع لرجال الاعمال في 16 شباط ان زيادة الاجور للـ250 ألف عامل هي "خطوة أحادية الجانب" من طرف الدولة وأن "كلفة الاضراب العام مهما طال أمده أقل بكثير من كلفة تحرير مشروع السلسلة"!

لقد فشلت الطبقة الحاكمة في تجنبها الاضراب بعد التهديد والتهويل وهي غير قادرة على ضبط الوضع بعد ان اصبح معروفا ان البنوك الخاصة التي تدين لها الدولة بأكثر من 60% من نسبة الدين العام، حققت أرباح بقيمة 1620 مليون دولار في العام 2012. الدين العام الذي بلغ الرقم القياسي وهو 70 مليار دولار، تدفع الحكومة حوالي الـ4 مليارات دولار سنوياً كفوائد عليه وذلك من اصل 15 مليار الايرادات التي تحصلها الدولة.

وشهدت تظاهرة 27 شباط المركزية الحاشدة وغير المسبوقة بنوعيتها من عمال مضربين وعدد من الشباب والعمال من خارج النقابات الداعية الى الاضراب. وقال رأيس هئية التنسيق النقابية حنا غريب ان هذه المظاهرة "رغم كبرها ليست الذروة لكنها اشارة واضحة وستكون بداية لانتفاضة تضم فئات شعبية ويشارك لأول مرّة فيها من خارج قاعدة الموظّفين والمعلمين"، ووجه رسالة إلى السلطة والمعارضة: "إنها كرة الثلج تكبر كل يوم وتجذب المزيد من المتضررين، وقد لا يعود ممكناً بعد حين السيطرة عليها".

الاستقطاب الطبقي داخل الاحزاب الطائفية
عدة أحزاب كبرى بدأت تشعر بقلق من تمدد الاضراب والمظاهرات وتوسعها، وبدؤوا في إعادة ترتيب مواقفهم مجدداً. لقد صدرت مواقف من القوى الأساسية، حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، تدعو إلى إيجاد حلّ ما سريع، وذلك خوفا من أن تضطر الى مواجهة جماهيرها. المدارس التي يملكها حزب الله لم تضرب والمعلمون لم يشاركوا بالتحركات، بينما الاساتذة المحسوبين على حزب الله الذين يعملون في مدارس رسمية وخاصة اضربوا وشاركوا بالمظاهرات، كما هو حال الكثير من الاحزاب الكبرى.

وبشكل غير مسبوق، بات يشكل القياديون الابرز في التحرك القائم الشخصيات الاكثر شعبية لدى فئة من العمال والشباب في لبنان، وهذا يعكس مزاج ما من الوعي الطبقي لدى جزء من الطبقة العاملة، ما يدل على القوى البديلة لانهاء الطائفية والفقر وهو الحركة العمالية. لكن حتى الان النقابات لم تربط بين الازمة السياسية الطائفية والصراع الطبقي، ولم يشمل باقي العمال وخاصة العمال في الشركات الخاصة التي هي العصب الاساسي للاقتصاد، و الشباب العاطلين عن العمل الذين تبلغ نسبتهم 34% والذين يهاجر منهم 20 الف سنوياً.

من المهم الربط بين النضال العمالي الحالي والوحدة ضد الانقسام الطائفي، وأن يشار الى صراع الزعماء على السلطة والى تحالفهم الاقتصادي الخفي ضد الطبقة العاملة. ولكن في حين ان قيادة النقابات تحاول الهروب قدر المستطاع من الامور السياسية، وكأن الامور منفصلة، الا انها، كما اليسار، تحمل مسؤولية تاريخية للبناء على الوحدة النقابية وللمبادرة في تشكيل تنظيم عمالي جماهيري لتحدي سلطة رأس المال. على اليسار والحركة النقابية في لبنان ان تتعلم من الأخطاء التاريخية والا تفصل بعد اليوم بين النضال الطبقي وباقي الامور كالطائفية ومقاومة الاحتلال والامبريالية.


من المهم طرح بديل اقتصادي لتمويل الأجور ولمصلحة الطبقة العاملة ككل ما سيساعد على توسع الحركة لتشمل كافة الطبقة العاملة والشباب. كي تتطور هذه الحركة يجب البدء بتأسيس حزب عمالي جماهيري، تحت برنامج اشتراكي لتوحيد الطبقة العاملة بوجه الطغمة المالية الحاكمة التي تذهب بالبلد نحو حرب أهلية جديدة، والتي عمقت الانقسام الطائفي الى حدود غير مسبوقة لم يشهدها المجتمع حتى أثناء الحرب الاهلية 1975-1990.

اذا اقتصرت الحركة على الاضراب والتظاهر، رغم أهميتهم، وبدون مشروع بديل كامل للفصل بين الطبقة العاملة وقيادات الاحزاب الطائفية ورجال الاعمال، فهذه الحركة في خطر تهمد أو أن تضرب أمنياً من قبل القوى الطائفية والرجعية. الفرصة تاريخية متاحة الآن لتأسيس حزب عمالي جماهيري تحت برنامج اقتصادي واجتماعي بديل، يطالب بتأميم الشركات الكبرى والبنوك تحت مراقبة العمال، والقضاء على الهدر والفساد، وطرح البديل الاشتراكي للقضاء على الفقر والحروب.

No comments:

Post a Comment